نصّ الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وعليكم السّلام ورحمة الله وبركاته، أمّا بعد:
فإنّه لمّا كان لكلّ فعلٍ من الأفعال سببٌ، فلا يخلو تعليق الآيات القرآنيّة على الجدران من هذه الحالات:
1- أن يعلّقها للزّينة:
فليعْلم المسلم أنّ القرآن الكريم لم يُنزلْه الله تعالى لمثلِ هذا، وإنّما أنزل لتلاوته، وتدبّره، والعمل به، والدّعوة إليه.
ومن تعظيم كلام الله تعالى أن يُصان عن هذا الغرض التّافه {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}.
وقد جاء النّهي عن زخرفة المصحف الشّريف، قال أبو الدّرداء رضي الله عنه: ( إِذَا زَخْرَفْتُمْ مَسَاجِدَكُمْ، وَحَلَّيْتُمْ مَصَاحِفَكُمْ، فَالدَّمَارُ عَلَيْكُمْ )، وقد حسّن الشّيخ الألباني رحمه الله رفعَه إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في "الصّحيحة " (1351).
2- أن يُعلّقها للتبرّك:
فلا شكّ أنّ القرآن هو: كلام الله المبارك، ولكن، إنّما تحصُل بركته بتلاوة العبد له، وتدبُّرِه، والعمل به، لا عند تعليقه !
قال الله تبارك وتعالى:{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}.
ولو كان تعليق القرآن تحصل به البركة، لسَبَقَنا إلى ذلك أحرصُ النّاس على الخير، وأشدّهم تمسّكا بأسباب الهدى.
وما انتشرت التّمائم القرآنيّة إلاّ من أجل اعتقاد البركة فيها، ثمّ اعتقدوا حمايَتها للعبد ! وما تعليقُهم لآية الكرسيّ والمعوّذتين إلاّ شاهد على ذلك !
3- أن يعلّقها للوعظ والتّذكير:
فليعلَم المسلم أنّ القرآن خير واعظ للعبد، ولكن بتلاوته وتبليغه، قال تعالى:{وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ}.
ولم يثبُت عن أحدٍ من السّلف تعليق القرآن للدّعوة إلى الله والتّذكير به، ولو كان خيرا لسبقونا إليه، فدلّ ذلك على أنّه محدَثٌ.
ثمّ إنّ الواقع يُكذّب ذلك، فما رأينا أحدا يتأمّل اللّوحات القرآنيّة من أجل مضمونها، ولكن لزخرفتها !
لذلك كان من البدَع المنكرة تعليق اللّوحات المشتملة على آيات قرآنيّة على الجدران ونحوها.
- أمّا اللّوحات التّوجيهيّة الّتي يغلب عليها غير القرآن، فحكمها يُدرك من اسمِها:
أ) فهي تعليم وتوجيه، وتخلّلها للآيات القرآنية أو جزء منها ليس مقصودا لذاته، وإنّما لغيره.
ونظير ذلك: وجوب صيانة المصحف من مسّه لغير المحدث، وعدم وضع شيءٍ عليه تعظيما له، وعدم تمكين الكافر منه، في حين أنّ هذه الأحكام لا تنطبق على الكتب العلميّة المشتملة على الآيات القرآنيّة.
ب) ثمّ إنّ هذه اللوحات التّوجيهيّة من ورائها مصلحة راجحة، وهي التّعليم والتّوجيه المتحقّق، لا التّذكير المتوهّم.
ج) وهذه اللّوحات وضعُها مؤقّت بالحاجة، وتُزال عند تحقّق المصلحة.
ويُشترط في هذه اللّوحات أن تكون مصُونة عن أماكن تُهان بها، وألاّ تكون مقابل المصلّين في المساجد حتّى لا تشغلهم عن صلاتهم.
والله أعلم.